کد مطلب:280405 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:252

الأعمدة المتصدعة و آل هارون
وقبل بعثة المسیح علیه السلام كانت المسیرة قد ارتوت من میاه الأمم الذین تعاقبوا علی حكم فلسطین، وكان لهذا الارتواء أثرا بالغا فی بناء الشخصیة الإسرائیلیة بعد عهد السبی، والدول التی تعاقبت علی



[ صفحه 122]



حكم فلسطین بعد السبی هی: فارس (538 - 333 ق. م)، الیونان (333 - 343 ق. م) مصر (323 - 204 ق. م)، سور یا (204 - 167 ق. م)، المكابین (167 - 63 ق. م) وفیها كان الیهود مستقلین من الناحیة العملیة، روما (63 ق. م) وامتد حكم الرومان حتی (633 م). [1] وعلی امتداد هذه الفترة كان للیهود تجهیزاتهم التی أقاموها للحفاظ علی تعالیمهم التی تقود إلی أهدافهم، وكان الحی الیهودی یذخر بالفرق المتعددة ومن أهم هذه الفرق: (الفریسیین) وهؤلاء أهم فرق الیهود وأكثرهم خطرا، ویتمسكون بالتفسیر الشفهی (التلمود) وتقلید الشیوخ السابقین. [2] ولقد حذر المسیح علیه السلام من هذه الفرقة. [3] ومنهم جاء القدیس بولس الذی قاد المسیرة المسیحیة فیما بعد. وسنبین ذلك فی موضعه، (الصدوقیین) وهؤلاء یتمسكون بالناموس المكتوب، [4] (والأسنیین) وهؤلاء یمارسون حیاة رهبانیة وهم یمثلون الیهودیة السریة، [5] (الهیرودیین) وهم حزب سیاسی یرید إرجاع السلطة إلی عائلة هیرودس، [6] (الغیورین) وهؤلاء حزب قومی مستقل یؤید استعمال العنف والقسوة، [7] وكان یوجد داخل الحی الیهودی العدید من المؤسسات أهمها: (المجمع الیهودی) وهو مبنی یجتمع فیه الیهود لقراءة الأسفار، وهو كان للتعلیم، [8] (السنهدرین) وهم السلطة



[ صفحه 123]



القضائیة والدستوریة العلیا عند الیهود، [9] (العشارین) وهم یهود یجمعون الضرائب للرومان، [10] (الكتبة) وهم طبقة من الشعب مهمتهم شرح الناموس، ولقد أكثروا من التقالید الشفاهیة. وحددوا قواعد تشمل النواحی العملیة للحیاة الیومیة، وهم یسمون بالمحامین والمعلمین والربیین، [11] (الناموس الشفاهی) وهو مجموعة التعلیقات والتفاسیر التی تدور حول ناموس موسی [12] ویشرف علیه كبار الحاخامات.

فتحت حكم الأمم تشكلت الشخصیة الإسرائیلیة بعد السبی، وهذا التشكیل حمل معالم الشخصیة الإسرائیلیة قبل وأثناء السبی، وقبل بعثة المسیح علیه السلام كانت الفرق الإسرائیلیة المتعددة تتصارع علی رقعة الاختلاف والجمیع یتجه نحو هدف واحد، وهذا الهدف نسجته الفتن المتعددة. وفی النهایة ارتدی ثیاب أمیر السلام. الذی یعید مجد مملكة داوود الوعد الإلهی لإبراهیم. وهذه الثیاب یشرف علی صیانتها العدید من المؤسسات التی تتمركز حول التفسیر الشفهی للناموس (التلمود). وفی هذه الأجواء المشحونة بالرفض لكل منهج لا یخلص الیهود من حكم الأجانب، لطف الله تعالی بعباده وبعث إلیهم من یقیم علیهم الحجة ویسوقهم إلی صراط الله العزیز الحمید، لینظر سبحانه إلی عباده كیف یعملون تحت سقف الامتحان والابتلاء.

وعند خاتمة المسیرة الإسرائیلیة، بعث الله تعالی النبی یحیی والنبی عیسی، وكل منهما یحمل معالم جفاف المسیرة، لیتدبر فیها أصحاب العقول والأفهام، ولیعلموا أن القیادة ستنزع من أیدیهم وتكون



[ صفحه 124]



لشعب آخر من أبناء إبراهیم، ومعالم الجفاف أن النبی یحیی ولد لأب اشتعل رأسه شیبا ولأم عاقر، أما المسیح علیه السلام فولد لعذراء لم یمسسها بشر، لقد جاء یحیی من طریق أبوین الذریة لهما أمر غیر معهود. لیكون مصدقا بعیسی علیه السلام الذی جاء من جهة كلمة الایجاد (كن)، وذلك لأن سائر الأفراد من الإنسان یجری ولادتهم علی مجری الأسباب العادیة المألوفة، ولكن ولادة المسیح علیه السلام لم تجر هذا المجری. لأنه فقد بعض الأسباب العادیة. لهذا كان وجوده بمجرد كلمة التكوین (كن) ولم یتخلل هذا الوجود الأسباب العادیة.

لهذا كان الباب الذی دخل منه آخر أنبیاء بنی إسرائیل، باب یدعو المسیرة إلی التدبر والإیمان. ولیحذروا المخالفة لأنها ستنتج علی آخر الطریق فتنة، ومعنی أن یغلقوا علی أنفسهم باب الفتنة. أن قیادة المسیرة البشریة لن تكون من داخل الأبواب المغلقة، إنما ستنتقل إلی مكان أوسع وأرحب، والله تعالی یورث الأرض لمن یشاء من عباده.

فی نهایة المسیرة جاءت دعوة زكریا علیه السلام، وكان متزوجا من الیصابات من بنات هارون [13] ویقول إنجیل لوقا فیهما إنهما بارین أمام الله سالكین فی جمیع وصایا الرب وأحكامه. [14] وقال لم یكن لهما ولد. إذ كانت الیصابات عاقرا وكلاهما قد تقدم فی السن كثیرا. [15] وذكر لوقا: بینما كان زكریا یؤدی خدمته الكهنوتیة أمام الله سأله الولد. فظهر له ملاك وقال له: لا تخف یا زكریا لأن طلبتك قد سمعت. وزوجتك ستلد لك ابنا تسمیه یوحنا. وسوف یكون عظیما أمام الرب، والقرآن الكریم ذكر هذه المعجزة فی قوله تعالی: (قال رب إنی



[ صفحه 125]



وهن العظم منی واشتعل الرأس شیبا ولم أكن بدعائك رب شقیا. وإنی خفت الموالی من ورائی وكانت امرأتی عاقرا. فهب لی من لدنك ولیا یرثنی وبرث من آل یعقوب واجعله رب رضیا. یا زكریا إنا نبشرك بغلام اسمه یحیی لم نجعل له من قبل سمیا). [16] .

وجاء یحیی وریث زكریا وآل یعقوب، لیكون حجة علی مسیرة خرج معظمها عن سبیل آل یعقوب، وبدأ یحیی دعوته، جاء فی إنجیل متی فی تلك الأیام جاء یوحنا المعمدان (یحیی) یكرز فی بریة الیهودیة قائلا: توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات. فإن هذا هو الذی قیل عنه بأشعیا النبی القائل: صوت صارخ فی البریة. أعدوا طریق الرب.

اصنعوا سبله مستقیمة، [17] ویقول متی هنری فی تفسیره: كانت مهمة یوحنا دعوة الناس للتوبة عن خطایاهم، فقوله توبوا هی فی الأصل الیونانی تأملوا أو فكروا ملیا أی: لیكن لكم فكرا آخر لتصلحوا أخطاء الماضی، تأملوا طرقكم. جددوا أذهانكم، لقد أخطأتم التفكیر فأعیدوا التفكیر وأحسنوا التفكیر. [18] .

ولكن القوم لم یتأملوا ولم یفكروا وعكفوا علی أطروحة أرض المیعاد التی كتبها الله لإبراهیم دون قید وشرط. ورفعت فرقة (الفریسیین) أعلام الصد عن سبیل الله. یقول إنجیل متی ولما رأی یوحنا كثیرین من الفریسیین والصدوقیین یأتون الیه لیتعمدوا قال لهم: یا أولاد الأفاعی. من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتی. فأثمروا ثمرا یلیق بالتوبة ولا تغللوا أنفسكم قائلین: لنا إبراهیم أبا. فإنی أقول لكم:

إن الله قادر أن یطلع من هذه الحجارة أولاد إبراهیم، وها إن الفأس قد



[ صفحه 126]



ألقیت علی أصل الشجرة. فكل شجرة لا تثمر ثمرا جیدا تقطع وتطرح فی النار، [19] ویقول متی هنری فی تفسیره: نری یوحنا یوجه حدیثه إلی هؤلاء القوم بمنتهی الصراحة والأمانة، وما قاله یوجهه فی نفس الوقت إلی كل الجموع.. فاللقب الذی ناداهم به هو یا أولاد الأفاعی. ولقد أعطاهم المسیح نفس هذا اللقب، لقد كانوا كالأفاعی إذ كانت لهم صورة التقوی والمظهر الخلاب. إلا أنهم مملوئین سما مشحونین خبثا وعداوة لكل ما هو حسن، وكانوا أولاد الأفاعی نسل وذریة الأفاعی، فكان السم یسری فی دمهم وعظامهم. وكانوا یفتخرون بأنهم ولدوا من إبراهیم، ولكن یوحنا بین لهم أنهم من نسل الحیة وإن إبلیس هو أبوهم. [20] وقال لهم یوحنا (یحیی): إن كنتم أولاد إبراهیم. فلا تفتكروا إنكم لا تحتاجون إلی التوبة وإنه لا شئ هنالك تتوبون عنه وإن علاقتكم بإبراهیم لص اهتمامكم بالعهد الذی قطع معه یجعلانكم مقدسین.

ولا یوجد هنالك داع لتجدید أذهانكم وإصلاح طرقكم، ولا تفتكروا بأنكم ستنجحون حتی وإن كنتم لا تتوبون... أو وأن الله سیتغاضی عن عدم توبتكم لأنكم أولاد إبراهیم [21] ویقول متی هنری یقولون لنا إبراهیم أبا. ولذلك لنا الحق فی امتیازات العهد الذی قطعه الله معهم..

یا لغباوتهم فی هذا الادعاء الذی لا أساس له، لقد توهموا بأنهم وقد صاروا أولاد إبراهیم. فإنهم هم شعب الله الوحید فی هذا العالم، ولقد بین لهم یوحنا جهلهم الفاضح فی هذا الادعاء الباطل والغرور الكاذب.

فقال مهما افتكرتم أن تقولوا فی أنفسكم. أن الله قادر أن یقیم من هذه الحجارة أولاد إبراهیم، إن امتحانكم دقیق جدا وقریب جدا، الآن قد وضعت الفأس وقد رفعت أمام أنظاركم ووضعت علی أصل الشجرة،



[ صفحه 127]



الآن ستوضعون فی كفة المیزان لحظة واحدة، الآن قد تحددت نهایتكم للهلاك الذی لا یمكن أن تفلتوا منه إلا بالتوبة العاجلة الصادقة، الآن قد منحكم الله آخر فرصة للاختبار، إما أن تنتهزوا الفرصة الآن. أو تضیع من أیدیكم إلی الأبد، وبین كیف أن القصاص منهم سیكون صارما إن لم ینتهزوا الفرصة، الحقیقة یوضحها یوحنا بوضع الفأس علی أصل الشجرة، لیبین لهم أن الله قضی أن كل شجرة مهما ارتفعت بمواهبها وأمجادها. ومهما بدت خضراء بمظهرها الخارجی، أن لم تصنع أثمارا صالحة تلیق بالتوبة فإنها تقطع، لا یعترف بها كشجرة فی كرم الله، تصبح غیر جدیرة بأن تحتل مكانا هناك وتلقی فی النار، وهی ألیق مكانا للأشجار الجافة لأنها لا تصلح لشئ آخر، إن لم تصلح للأثمار تصلح للنار. [22] .

ویقول متی هنری: لقد كانوا عصابة الأفاعی كلهم متساوون فی الشر، ورغم أنهم كانوا أعداء بعضهم لبعض. إلا إنهم كانوا متحالفین فی الشر، إن نسل الشریر هو نسل الأفاعی، ولقد كان الانذار الذی وجهه لهم یوحنا من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتی یتضمن أنهم كانوا فی خطر الوقوع تحت طائلة الغضب الآتی. وأنه لا أمل لهم فی النجاة منه، لأن قلوبهم قد قست، الفریسیین بسبب تمسكهم بمظهر الدیانة. والصدوقیون بسبب كثرة مناقشتهم عن الدیانة، حتی كان یصبح كل مجهود لمحاولة التأثیر علیهم مقضیا علیه بالفشل، لقد كان هناك غضبا آتیا. ومن واجب كل واحد أن یهرب من هذا الغضب. ومن رحمة الله أنه یحذر للهروب من هذا الغضب.

لقد كان یحیی (یوحنا) یتحدث بالحق الذی تحدث به آل یعقوب، وكان علیه السلام یقف علی أرضیة آل عمران (آل هارون)،



[ صفحه 128]



قال متی هنری: وكان یوحنا كاهنا علی طقوس هارون [23] وبینما كان یدعو الشعب للتوبة والإیمان بالله وسلوك سبیل آل هارون، كان یعلن أمامهم أنه یمهد الطریق للمسیح عیسی ابن مریم. ویقول لست المسیح. بل أنا رسول یمهد له الطریق. [24] وكان الشعب قد علم من قدیم. علی لسان الأنبیاء والرسل ببشارة تقول ها العذراء تحبل وتلد ابنا. [25] .

وعندما ولدت العذراء وشب ولدها علیه السلام، یقول إنجیل متی جاء یسوع من الجلیل إلی الأردن إلی یوحنا لیتعمد منه [26] ولأن حبل النبوة حبل واحد. وحلقات الأنبیاء یكمل بعضها بعضا، قال یوحنا للمسیح: هكذا یلیق بنا أن نكمل كل بر. [27] وكان المسیح علیه السلام آخر أنبیاء الشجرة الإسرائیلیة التی جعلها الله حجة علی المسیرة الإسرائیلیة، وانتهت حیاة نبی الله زكریا ونبی الله یحیی نهایة دمویة، روی أن القوم عندما عقدوا العزم علی قتل زكریا. هرب منهم فانفرجت له شجرة فدخل جوفها ثم التأمت علیه، وعندما علم القوم نشروا الشجرة فقطعوها وقطعوه نصفین، أما یحیی علیه السلام. فسجنوه. ثم قتلوه. ثم قطعوا رأسه. وحملت إلی ملك بنی إسرائیل لیقدمها هدیة لامرأة كان قد افتتن بها [28] .



[ صفحه 129]




[1] مفاتيح الأسفار ص 55، 56.

[2] مفاتيح الأسفار ص 56.

[3] متي 24 / 10.

[4] مفاتيح الأسفار الإلهية ص 56.

[5] المصدر السابق 56.

[6] المصدر السابق 57.

[7] المصدر السابق 57.

[8] المصدر السابق ص 58.

[9] المصدر السابق ص 58.

[10] المصدر السابق 58.

[11] المصدر السابق 58.

[12] المصدر السابق 58.

[13] لوقا 1 / 5.

[14] المصدر السابق 1 / 6.

[15] المصدر السابق 1 / 8 - 16.

[16] سورة مريم آية 4 - 7.

[17] إنجيل متي 3 / 1 - 4.

[18] متي هنري 58 / 1.

[19] إنجيل متي 7 / 3 - 11.

[20] متي هنري في تفسيره 66 / 1.

[21] المصدر السابق ص 69 / 1.

[22] تفسير متي هنري 68، 69، 70 / 1.

[23] متي هنري 57 / 1.

[24] إنجيل يوحنا 3 / 28.

[25] أشعيا 7 / 14.

[26] متي 3 / 13.

[27] متي 3 / 16.

[28] متي هنري 466 / 1.